بعد أربعة وعشرين عاما من الإعلان التأسيسي لحزب الله في عام ،1985 أعلن حزب الله وثيقته السياسية الثامنة في مؤتمره السابع ، بعد ما شهد لبنان أحداثا سياسية وعسكرية مفصلية ،على مستوى اندحار الاحتلال الإسرائيلي ، والانسحاب السوري ، والقرارات الدولية ، والتي جعلت من المشهد السياسي اللبناني،ساحة مفتوحة أمام اللاعبين الإقليميين والدوليين ،إما لتصفية الحسابات البينية،أو لتوظيف لبنان في الصراعات الكبرى على مستوى الشرق الأوسط ، لصناعة شرق أوسط جديد تحكمه أميركا بمساعدة إسرائيلية،على أن يلعب بعض المعتدلين العرب دور (النواطير ) المحليين.
أما على صعيد حزب الله ، فقد شهد الحزب أحداثا نوعية منها السلبي ومنها الايجابي،فقد تعرض لخسارة قيادات أساسية من أمينه العام إلى مسؤوله العسكري ،يضاف إلى ذلك توسع الحركة التنظيمية للحزب على مستوى الجغرافيا والعدد، بشكل مكثف بعد عدوان تموز2006،تشبه إلى حد كبير،ا التوسع التنظيمي لحركة أمل بعد اتتفاضة6 شباط 1984،مما أدخل الحزب في تجربة التعامل مع شريحة، تحركها العواطف بشكل أساس وبعض الأمور الأخرى،لكنها غير مهيأة عقائديا بالشكل الكامل.
واستدرجت حرب تموز2006 بمفاعيلها الاجتماعية والاقتصادية، حزب الله إلى العمل المباشر مع الجمهور العام، والذي لم يكن معتادا عليه،وعلى مخاطره أيضا،لأن في التعويضات والمساعدات،نوعا من الإغراءات المادية للقائمين عليها من قبل الحزب،وفرض دخول الحزب الحياة السياسية اللبنانية في مجلس النواب والحكومة،والبلديات والنقابات ،مفردات وسلوكيات كان لا يألفها،وإنما فرضت نفسها نتيجة الوقائع الجديدة وأخر هذه التجارب كانت تجربة التفاهم مع التيار الوطني الحر،الذي فرض على الحزب التوقيع على أفكار ومفردات كانت تبدو غريبة عن سلوكياته السياسية،مما كسر حاجز اللغة والمواقف الخشبية أو الجامدة،ودفعت الحزب إلى التجرؤ أكثر في اتخاذ بعض المواقف الضبابية أو ما يطلق عليها،المواقف الدبلوماسية الناعمة،التي تتناقض مع جوهر المواقف الجريئة والواضحة لأي حركة ثورية وفي قراءة هادئة للوثيقة السياسية الثانية للحزب نورد الملاحظات التالية:
- إن الوثيقة ظهرت بعد 24 عاما من الوثيقة الأولى ،في المؤتمر السابع خلاف النموذج الحزبي الذي يقر وثيقة سياسية دورية كل مؤتمر،مما يشبه البيان الوزاري لأي حكومة،فيما عمد حزب الله إلى إصدار وثيقة سياسية مفصلية تأخذ الطابع الفكري – والسياسي الإستراتيجي حول رؤى الحزب المحلية والإقليمية والوطنية بعيدا عن التنظير الفلسفي بل على مستوى الوقائع الميدانية ومصالح الأمة.
- تأكيد الحزب على أن المشروع الأميركي الاستعماري المتعدد الوجوه والأساليب هو العدو،والخطر الأكبر،أي أن الوثيقة حاولت ترجمة مفهوم(الشيطان الأكبر)باللغة السياسية الناعمة، مراعاة للذوق السياسي المحلي والعربي.
- حاولت الوثيقة إعلان هوية المقاومة العامة غير الطائفية أو المذهبية أو الكيانية لتعلن انتمائها للأمة مع عدم إهمال العناوين السابقة .
- أعلن الحزب انتقاله من موقعه،كقوة تحرير إلى قوة توازن ومواجهة وتطوره إلى قوة ردع،مما يفرض عليه تطوير خطابه السياسي بما يتلائم مع التطور العسكري والأمني،وصناعة غلاف سياسي وإعلامي لحماية مشروعه العسكري المقاوم، لإبعاد النقاش حول جوهر الحزب وهو ( المقاومة والسلاح)إلى نقاش حول الفكر السياسي أو الإيديولوجي للحزب.
- التأكيد على عدم المراهنة على الحكومات والأنظمة للدفاع عن الشعوب ومصالحها ،إما لتبعيتها المطلقة للمشروع الأميركي أو لعجزها عن ذلك مما يفرض أن تبادر الشعوب إلى مقاومة المشروع الأميركي والإسرائيلي كما فعلت المقاومة اللبنانية والفلسطينية .
- عدم الممانعة بالتنسيق المباشر أو غير المباشر بين أنظمة التسوية،وحركات المقاومة خاصة لجهة الاستفادة من إنجازات المقاومة لتحسين ظروف التفاوض وتحصين الحقوق، بما يتلائم مع ما طرحه المرحوم الشيخ محمد مهدي شمس الدين في طرحه ( ضرورات الأنظمة وخيارات الشعوب)لحفظ مصالح الأمة،وللتأكيد أيضا على عدم فتح الصراع المسلح مع الأنظمة حتى المتآمرة،لأن ذلك يحرف وجهة الصراع،بينما المطلوب الضرب على رأس الأفعى المتمثل بأميركا،وترك الأذناب والأدوات،حيث سيسقطون بمجرد زوال الرأس المدبر أو المحرك .
- التأكيد على أن الحرب الأميركية على الشعوب هي حرب شاملة بكل المقاييس والمعطيات،لمحو حضارات الأمم الأخرى،وتأمين المصالح الاقتصادية والأمنية والسياسية لأميركا وحلفائها،دون اعتبار لمصالح الآخرين مما يفرض تأسيس جبهة عالمين للمظلومين والمستضعفين في العالم لمواجهة هذا الوحش الأميركي الذي لن يوفر أحدا في العالم.
- إن تأكيد الوثيقة على الكيان الوطني كأمر واقع،لا بد من التأقلم معه ولو تناقض مع النهج العقائدي،بشرط التفتيش عن نظام للاتحاد أو التضامن بين مكونات الأمة،لزيادة منعتها وحفظ حقوقها،مما يستدعى مفردات مطاطة وضبابية تحمل التأويل أو التفسير المتعدد، ويحتاج إلى شروحات تفصيلية وتوضيحية، مما يوفر للحزب هامش مناورة فكرية وسياسية إما لهضم هذا التحول أو لتجاوزه في اللحظة المناسبة ،لأن الكيانية الوطنية المفرطة،تمنع الحزب من التضامن مع أشقائه وحلفائه خارج الحدود،وفق ما يطرحه البعض مثل ( شعار لبنان أولا) ويمكن أن يطرح البعض شعارا أكثر محدودية(لبنان أولا وأخرا).
- تأكيد الحزب أن سلاح المقاومة وبنيتها التنظيمية،لا يصنعهما قرار القوى السياسية اللبنانية أو الحزب، بل أنهما يرتبطان بعاملين،أولهما زوال التهديد الإسرائيلي وثانيهما، بناء الدولة القوية والقادرة على حماية سيادتها وشعبها عبر تعزيز قدرات الجيش الوطني.
وأن أي طرح لا يعتمد على هاتين القاعدتين هو كلام عبثي وغير واقعي،ولذا لا بد من المزاوجة بين المقاومة والجيش في معادلة لن تمحى قريبا،لأن زوال إسرائيل لا زال في الإطار النظري وكذلك قيام الدولة اللبنانية القوية والقادرة لا زال نظريا وخطابيا حتى اللحظة.
- افتقار الوثيقة للبعد الاجتماعي والثقافي والاقتصادي مع أن المشروع الأميركي يعتمد على هذه الركائز في حربها الشاملة حيث يمثل الحصار الاقتصادي والعقوبات السلاح الأقوى بيد الإدارة الأميركية على كل دول وحركات المقاومة في العالم كما جرى مع إيران وسوريا وحماس وحزب الله.
ولأن توفير مقومات الصمود هو الخطوة الأولى لمقاومة المشروع الأميركي فكان لا بد من إيلاء هذا المحور إشارة واضحة حول ضرورة دع قوى الإنتاج والزراعة والصناعة والإبداع العلمي، للتحرر من الحصار وتوفير مقومات الصمود لجمهور المقاومة وللشعوب
- وتعاني الوثيقة السياسية من نقص جوهري بالنسبة للداخل اللبناني بحيث تغلبت الملفات الخارجية على الملفات الداخلية بحيث ظهر الحزب وكأنه حزب عالمي وليس حزبا محليا يتحمل مسؤولية حل مشاكل جمهوره المعيشية والاجتماعية وتأمين الأمن الاجتماعي والثقافي والسلوكي مما يعرضه لتصحر قاعدته الشعبية إذا اختار العمل في الفضاء الخارجي،وتجاوزه المتطلبات الرئيسية والضرورية لجمهوره لمساعدته على الصمود وقد قال السيد المسيح (ع)ماذا يجني الإنسان لو ربح العالم وخسر نفسه.